الأحد، 22 مايو 2011

الحرب الشاملة والقول الفصل

الذين يدرسون التاريخ العسكرى يجدون محاولات كثيرة خلال العصور القديمة والحديثة لتنسيق الجهود الحربية والجهود الإقتصادية . ولقد تحولت الحرب فى الآونة الأخيرة لتشمل جميع النواحى والزوايا من عسكرية وسياسية وثقافية وإقتصادية ونفسية وإجتماعية . ونحن العرب لا نزال نخوض اليوم حرباً مع الصهاينة وإن كانت قد أخذت شكل " هدنة " فى صورة إتفاقية سلام على الحدود المصرية والأردنية وصورة إتفاقية فصل قوات وتفاهمات وتوازنات على الحدود السورية واللبنانية فإنها – أى الحرب – لا تزال مستعرة عنيفة ضاربة فى جانبها السياسى والإقتصادى والثقافى والحضارى . وقد بدأت إسرائيل تسجل إندحارات عسكرية إبتدأً من حرب 1973 ثم حرب تموز 2006 مع حزب الله ثم حرب غزة فى ديسمبر 2008 وإندحارات إقتصادية  حيث بدأت بعض الدول الغربية مثل بريطانيا تقاطع بعض البضائع والمنتجات الإسرائيلية القادمة من المستوطنات إلا أن إندحارها النهائى بإذن الله سيتحقق إذا إتبعت الدول العربية سياسة الحرب الإقتصادية والحرب السياسية وطبقت قواعدها بكل دقة وأمانة . فالإقتصاد والسياسة والحرب هى عناصر ثلاثة تقوم بينها أوثق العلاقات ولا يصح فصل واحد منها عن الآخر لأنها تكمل بعضها بعضاً . وهذا الترابط الوثيق بين السياسة والإقتصاد والحرب جعل الحرب تتحول عن قاعدتها العسكرية المعروفة قديماً وجعلها إقتصادية وسياسية ودعائية وثقافية وتكتيكية وتجارية ونفسية … إلى آخر ما هنالك من النشاط الإنسانى وهذا ما يسمونة بالحرب الشاملة أو الجامعة . وكل حرب تقوم بعد اليوم بين دولتين أو أكثر لابد أن تكون شاملة أى لا يقتصر أمرها على جانب واحد من النشاط دون جانب ولا يصح إهمال الجهد الإقتصادى أو السياسى إعتماداً على الجهد العسكرى . ننتقل بك عزيزى القارىء إلى حقيقة ثانية لا تقل أهمية عن سابقتها ألا وهى أن لكل حرب أهدافا إقتصادية إلى جانب أهدافها السياسية وما من مخلوق يحارب غيره إلا إذا قدَّر أنه ينال فى النهاية ربحاً إقتصادياً معيناً فالحروب الإستعمارية كانت تستهدف أول ما تستهدف الربح الإقتصادى . وإستناداً إلى هاتين الحقيقتين يمكن أن نعرف الحرب الشاملة بأنها " حرب شعب بأكملة ضد شعب آخر بأكملة " . ثم لابد فى حالة الحرب من مراعاة وجهات النظر العسكرية فى أى شأن من شؤون الإقتصاد فإذا كانت غاية الإقتصاد فى أيام السلم تأمين أقصى الحاجات وأكثرها للمواطنيين فإن هذه الغاية تتحول وتصبح فى أيام الحرب تأمين كل ما تتطلبة المعركة لبلوغ النصر وهذا هو " الإقتصاد الحربى  "  ولكى يتحقق الإقتصاد الحربى العملى لابد من تربية المواطنين على التضحية ونبذ الترف والإستغناء عن الكماليات والإكتفاء بالضرورى من الأقوات والملابس والزينات وأسباب اللهو فى أوقات الفراغ . ولابد كذلك من تقديم الأهداف الإقتصادية الدفاعية على سواها وإعطاؤها الأولوية فى كل عمل مع ملاحظة أنه يجب فى أيام الحرب العناية القصوى بالزراعة لأن كل معركة طويلة الآن تؤدى غالباً إلى أزمة زراعية وأسباب هذه الأزمة ترجع إلى أن الجنود يستهلكون من المؤن فى أيام الحرب أكثر مما يستهلكون فى أيام السلم ويقل عدد الفلاحين لتجنيدهم فى صفوف القوات المسلحة . فإذا كان للعرب أن يردوا على  الخطر الصهيونى فأفضل ما يتجهون نحوه فى الوقت الراهن هو تقوية إقتصاد كل دولة عربية وإعدادة فى حالة السلم لأن يتحول بسرعة إلى إقتصاد حرب . فإذا إصطدمت إسرائيل بجدار من الإقتصاد العربى المنظم القوى إنفجرت على نفسها وهوت كأنها لم تكن فى مدى سنوات قليلة أو أشهر معدودة . هذا هو القول الفصل فى ما يخص إسرائيل والمشكلة الصهيونية
محمد عبدالغنى محاسب وضابط سابق .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق